سورة آل عمران - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


قلت: {أفغير}: مفعول مقدم، و{يبغون}: معطوف على محذوف، أي: أتتولون فتبغون غير دين الله، وقدم المعمول؛ لأنه المقصود بالإنكار، و{طوعاً وكرهاً}: حالان، أي: طائعين أو كارهين.
يقول الحقّ جلّ جلاله: للنصارى واليهود، لمَّا اختصموا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وادعوا أن كل واحد على دين إبراهيم، فقال لهم- عليه الصلاة والسلام: «كِلاكما بَرِيءٌ مِنْ دِينه، وأنا على دِينه، فخذوا به»، فغضبوا، وقالوا: والله لا نرضى بحكمك ولا نأخذ بدينك، فقال لهم الحقّ جلّ جلاله- منكراً عليهم-: أفتبغون غير دين الله الذي ارتضاه لخليله وحبيبه، وقد انقاد له تعالى {من في السماوات والأرض} طائعين ومكرهين، فأهل السموات انقادوا طائعين، وأهل الأرض منهم من انقاد طوعاً بالنظر واتباع الحجة أو بغيرها، ومنهم من انقاد كرهاً أو بمعاينة ما يُلجئ إلى الإسلام؛ كنتق الجبل وإدراك الغرق والإشراف على الموت، أو: طوعاً كالملائكة والمؤمنين، فإنهم انقادوا لما يراد منهم طوعاً، {وكرهاً} كالكفار فانقادوا لما يراد منهم كرهاً، وكلٍّ إليه راجعون، لا يخرج عن دائرة حكمه، أو راجعون إليه بالبعث والنشور. والله تعالى أعلم.
الإشارة: اعلم أن الدين الحقيقي هو الانقياد إلى الله في الظاهر والباطن، أما الانقياد إلى الله في الظاهر فيكون بامتثال أمره واجتناب نهيه، وأما الانقياد إلى الله في الباطن فيكون بالرضى بحكمه والاستسلام لقهره. فكل من قصَّر في الانقياد في الظاهر، أو تسخط من الأحكام الجلالية في الباطن، فقد خرج عن كمال الدين، فيقال له: أفغير دين الله تبغون وقد انقاد له {من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً}، فإما أن تنقاد طوعاً أو ترجع إليه كرها. وفي بعض الآثار يقول الله تبارك وتعالى: «منْ لم يَرْضَ بقضائي ولم يَصْبِرْ على بَلائِي، فليخرجْ من تحت سَمَائي، وليتخذْ ربّاً سِوَاي».
وسبب تبرّم القلب عن نزول الأحكام القهرية مرضُه وضعف نور يقينه، فكل من استنكف عن صحبة الطبيب، فله من هذا العتاب حظ ونصيب، فالأولياء حجة الله على العلماء، والعلماء حجة الله على العوام، فمن لم يستقم ظاهره عُوتب على تفريطه في صحبة العلماء، ومن لم يستقم باطنه عاتبه الله تعالى على ترك صُحبة الأولياء، أعني العارفين. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.


قلت: {أُنزل}: يتعدى بإلى؛ لأنه ينتهي إلى الرسل، ويتعدى بعلى، لأنه يأتي من ناحية الحلو والاستعلاء، وفرَّق بعضهُم بين التعبير هنا بعلى وفي البقرة بإلى، فقال: لأن الخطاب هنا للرسول بالخصوص، وقد أنزل عليه الوحي مباشرة، وهناك الخطاب للمسلمين، وإنما أنزل الوحي متوجهاً إليهم بالواسطة، ولم يكن عليهم بالمباشرة. والله تعالى أعلم.
يقول الحقّ جلّ جلاله: {قل} يا محمد لأهل الكتاب الذين فرقوا في إيمانهم بين الرسل: أما نحن فقد آمنا بالذي {أنزل علينا وما أنزل} على جميع الأنبياء والرسل {لا نفرق بين أحد منهم} كما فرَّقتم أنتم، فَضَلَلْتُم، {ونحن له مسلمون} أي: منقادون لأحكامه الظاهرة والباطنة، أو مخلصون في أعمالنا كلها، وقدَّم المنزل علينا على المنزل على غيرنا، لأنه عيار عليه ومُعَرَّفٌ به. والله تعالى أعلم.
الإشارة: ينبغي للفقير أن يبالغ في تعظيم شيخه، ويسوغ له التغالي في شأنه ما لم يخرجه عن طَوْر البشر، وما لم يؤد ذلك إلى إسقاط حُرمة غيره من الأولياء بالتنقيص أو غيره، فحرمة الأولياء كحرمة الأنبياء، فمن فرّق بينهم حُرِم بركة جميعهم. وبالله التوفيق.


قلت: {وشهدوا}: عطف على ما في {إيمانهم} من معنى الفعل، والتقدير: بعد أن آمنوا وشهدوا.
يقول الحقّ جلّ جلاله: لرجال من الأنصار ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بمكة، منهم الحارث بن سويد الأنصاري: {ومن} يطلب {غير الإسلام ديناً} يتدين به {فلن يُقبل منه} أبداً، {وهو في الآخرة من الخاسرين}؛ لأنه أبطل الفطرة السليمة التي فطر الناس عليها، واستبدلها بالتقليد الرديء، بعد أن عاين سواطع البرهان، وشهدت نفسه بالحق والبيان، ولذلك وقع التعجب والاستبعاد من هدايته فقال: {كيف يهدي الله قوماً كفروا} بعد أن آمنوا، {وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات} أي: المعجزات الواضحات، فإن الحائد عن الحق بعدما وضح، منهمك في الضلال، بعيد عن الرشاد، فقد ظلم نفسه وبخسها، {والله لا يهدي القوم القوم الظالمين} الذين ظلموا أنفسهم بالإخلال بالنظر، ووضعوا الكفر موضع الإيمان، ولعل هذا في قوم مخصوصين سبق لهم الشقاء.

8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15